فخر وعتاب - قصيدة لأبي الطيب المتنبي.

{[['']]}
التعريف بالشاعر :
هو أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي ، أبو الطيب الشاعر الحكيم ، وأحد مفاخر الأدب العربي ، له الأمثال السائرة والحكم البالغة المعاني المبتكرة .
ولد بالكوفة سنة 303هـ / 915 م في محلة تسمى كندة وإليها نسبته ، ونشأ بالشام ، ثم تنقّل في البادية يطلب الأدب وعلوم اللغة العربية.
قال الشعر صبياً ، و يقال أنه تنبأ في بادية السماوة (بين الكوفة والشام) فتبعه كثيرون ، وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد فأسره وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه .
وفد على سيف الدولة فمدحه وحظي عنده  وكانت له مدائح كثيرة في سيف الدولة الحمداني تعرف بالسيفيات. ولما فسدت العلاقة بينهما، رحل إلى مصر يمدح كافورا الإخشيدي ولكنه لم يجد عنده ما كان يتوقعه ، فهجاه ورحل إلى بلاد فارس وعند عودته مر على أحد الأعراب الذين هجاهم، ودارت بينهما معركة قتل فيها المتنبي بعد أن هم بالفرار فثبته غلامه بقوله ألست القائل: 
                               فالخيل والليل والبـيداء تعرفني *** والسـيف والرمح والقـرطاس والقلمُ

فثبت وقاتل حتى قتل مع  ابنه وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من بغداد سنة 354هـ / 965م.

مناسبة القصيدة:
كان المتنبي يتمتع بمكانة عند سيف الدولة فترة طويلة، ولكن حساده حسدوا عليه مكانته ووشوا به عند سيف الدولة حتى فسدت العلاقة بينهما، فأخذ يعاتب صديقه سيف الدولة قبل أن يرحل إلى مصر بهذه القصيدة.

جو النص:
1- واحـرَّ قلباهُ ممن قلـبُــه شـَبــِمُ  ***  ومنْ بجسمي وحالي عِنَـدَهُ شَقَــــــمُ
2- مالي أُكَتّم حبّاً قد برى جسـدي ***  وتدعـي حـب ســيف الـدولة الأمــم
3- إن كان يجمعنا حـب لغـــرتـــِهِ ***  فليــــــــت أنـا بقــدر الحـبّ نقـتسـِمُ
4- يا أعدل الناس إلا في معاملتي ***  فيك الخصامُ،وأنت الخصمُ والـحكمُ
5- أعيـذها نظـرات مـنك صائبــة *** أن تحسبَ الشحمَ فيمن شحمـه ورمُ
6- وما انتـفاع أخي الدنـيا بناظرِهِِ *** إذ اســتوت عنده الأنــــوار والظــلمُ
7- أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** وأسمعت كلمــــــاتي مـن بـه صـمـمُ
8- فالخيل والليل والبـيداء تعرفني *** والسـيف والرمح والقـرطاس والقلمُ
9- يا من يعـز علينا أن نفارقهـــم  *** وجـداننا كـل شــيء بعـدكـم عـــــدمُ
10- إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا *** ألاّ تفـارقهـــم فـالـراحـلــــون هــــمُ
11- شر البلاد مكان لا صديق به *** وشـــر ما يكسب الإنسان مـا يصـمُ
12- هذا عـتابـك إلا أنـه مقـــــــــةٌ *** قـــد ضمـن الـــــــدر إلا أنـه كـلــــمُ

تحليل النص:
يتناول الشاعر في هذا النص علاقته بسيف الدولة الحمداني ، وقد أصابها بعض الفتور، وحدث بينهما بعض الجفاء فقال هذه القصيدة معاتباً له ، ومذكراً إياه بما بينهما من علاقات وروابط ، وما يحمله له في قلبه من حب ، والمتنبي لا يفعل هذا في ذلة و رياء ، ولكنه يعاتب في محبة و صفاء ، ويفخر في عزة وكبرياء .

حب المتنبي لسيف الدولة 

   1- وَا حَرَّ قَلْبَاه مِمَّنْ قَلْبُه شبـمُ     و مَنْ بِجسْمِي وحَالِي عندَه سقَمُ
       2- مالي أُكَتِّم حبّاً قد بَرَى جَسدِي    وَتدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدولةِ الأُمَمُ ؟
3- إنْ كانَ يجمعُنـا حُـبٌّ لِغُرَّتِه     فَلْيـتَ أنَّا بقَدْرِ الحُبِّ نَقْتَسـمُ!

معاني الكمات :
- وَاحرَّ قلباه : (وا) حرف نُدبة (حرّ) لهيب واحتراق (قلباه) قلبي ، وقلبت ياء المتكلم ألفاً ، وزِيدت عليها الهاء وتُسمَّى : هاء السكت.
- شبِم : بارد (يصرخ من احتراق قلبه بينما الأمير بارد القلب يعامله بفتور).
-عنده : أي في رأيه.
- سَقم: مرض ، علة ج سِقام.
- أُكتِّم : أُخفي وأُبالغ في الكتمان.
-  بَرَى : أضعف ، ينحل.
-  تدَّعي : تتظاهر بـ ، تزعم.
- الأمم : أي المنافقين من حاشية الأمير (مثل أبي فراس الحمداني).
- يجمعنا : يضمنا
- غرَّته : المراد : وجهه  غُرر ، وأصل الغرة : بياض في مقدمة الجبهة .

************************************************************************************************************
تحليل الأبيات التي تصف حب المتنبي لسيف الدولة .
______________________________

1. تحليل البيت الأول:
 واحـرَّ قلباهُ ممن قلـبُه شـَبــِمُ  *** ومنْ بجسمي وحالي عِنَـدَهُ شَقَـمُ
معاني الكلمات ( مفردات):
حر: لهب ونار.
شبم: بارد.
سقم: مرض.

شرح البيت :
يندب الشاعر حظه لأنه يحب الأمير والأمير يقسو عليه ولا يشعر بما يشعر به، وهذا الحب أصاب الشاعر بالضعف والهزال.

 بلاغة :
- "وا حر قلبا" : استعارة مكنية تصور القلب بشيء مادي ملتهب , أو استعارة مكنية فيها تشبيه الحزن في القلب بنار تحرق
   والمحسن البديعي في ( حر - شبم ) نوعه طباق يبرز المعنى  ويوضح بالتضاد الفرق بين حبه المتأجج و حب سيف الدولة الفاتر.

الموسيقى :
- (شبم - سقم) : بينهما تصريع يعطي نغمة موسيقية في مطلع القصيدة .


 الأسلوب :
"وا حر قلباه" : أسلوب إنشائي نداء " ندبة" , غرضه إضهار الحسرة كما يوحي بالألم والمعاناة .
*********************************************************************************
2. تحليل البيت الثاني:
مالي أُكَتِّم حبّاً قد بَرَى جَسدِي    وَتدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدولةِ الأُمَمُ ؟

معاني الكلمات ( مفردات).
أكتم: أبالغ في كتمان حبي.
- برى جسدي: أضعفه وأضناه.
-  تدَّعي : تتظاهر بـ ، تزعم.
- الأممُ : أي المنافقين من حاشية الأمير (مثل أبي فراس الحمداني).

الشــــــــرح :
يتعجب الشاعر من نفسه حيث يكن هذا الحب في قلبه للأمير حتى أضعف جسده ، والمنافقون يدًعون حبهم للأمير إلا أن هذا الحب لم يضهر إلا نفاقاً .

بــلاغــــــة :
- "مالي أكتّم حباً"  : أسلوب إنشائي نوعه الاستفهام ، غرضه : التعجب والحسرة .
- "أكتم حبا" : كناية عن شدة الحب وكثرته.
- " حبا قد برى جسدي ":  استعارة مكنية شبه هذا الحب بالمرض وهي صورة تبرز معاناته الشديدة .
  وبين الشطرين مقابلة توضح حبه وادعاء المنافقين.
- "أكتّم حباً" : استعارة مكنية  حيث جعل الحب شيئاً مادياً يخفيه الشاعر جاهداً .
- "أكتم - تدعي" : محسن بديعي نوعه  "طباق " يوضح الفرق بين حبه الصادق لسيف الدولة و بين حب الآخرين المصطنع المزيف .
- "أكتّم"  تشديد التاء هنا يوحي بالمبالغة في إخفاء هذا الحب وكتمانه .
- " قد برى جسدي": أسلوب مؤكد بـ "قد"  وهو كناية عن ضعفه وشدة معاناته من هذا الحب المكتوم ، والصورة هنا توحي بأثر الحب       الواضح على جسده .
- "تدعي" : تعبير يوحي بالكذب و الزعم الخاطئ ؛ فحبهم نفاق و رياء لا صدق فيه .
- "الأممُ"  مجاز مرسل عن الحاشية المنافقة  وعلاقته الكلية ؛ لأنه أطلق الكل "الأمم" وأراد الجزء (الحاشية المنافقة) كما انها "الأممُ" جاءت جمعاً ومعرفة لتدل على كثرة المنافقين في حب سيف الدولة . 
************************************************************************************************************
3- تحليل البيت الثالث:
إن كان يجمعنا حـب لغـــرتـــِهِ ***  فليــــــــت أنـا بقــدر الحـبّ نقـتسـِمُ

معاني الكلمات ( مفردات ).
- غرته: الغرة بياض في الجبهة والمراد سيف الدولة وجمعها غرر.
- يجمعنا : يضمنا.

الشـــرح :
ويوضح الشاعر أنه إذا كان موضع الالتقاء بينه وبين غيره هو حب سيف الدولة فليت أننا نقتسم عطاياه واهتمامه بقدر هذا الحب ( ويريد أنه سيكون أكثر حظا ).

بلاغــــــة :
"غرته" مجاز مرسل علاقته الجزئية توحي بالجمال و سر جمال المجاز الدقة و الإيجاز.
"إن كان يجمعنا حب":استخدام "إن" تفيد الشك في أن يكونوا من المحبين ، وفيها استعارةمكنية حيث جعل الحب إنساناً يجمع بينهم.
"فليت أنا بقدر الحب نقتسم": أسلوب إنشائي نوعه تمنٍ ؛ لإظهار التحسر ، وفيه إيجاز بحذف المفعول به .

الأسلوب:
ليت أنا... أسلوب إنشائي تمنى غرضه إظهار الحسرة واللوم.

كما أن الأساليب الخبرية في الإبيات الثلاثة  جاءت للتأكيد على حب المتنبي لسيف الدولة ، وبيان مدى حزنه على فتور العلاقة بينه وبين سيف الدولة .
************************************************************************************************************************************************************************************************************************
في هذه الإبيات الثلاثة أظهر المتنبي في عاطفته  إحساس بالمرارة والألم نتيجة للقطيعة التي وقعت بينه وبين سيف الدولة ، وارتبطت هذه العاطفة بأفكار النص فحب الشاعر ممدوحه ، وعتابه له ، وفخره وكبرياؤه مرتبط بالحزن والأسى ، وكان المتنبي متوقعا من سيف الدولة مكانة خاصة به ، لا أن يُهمل ويُمَيز غيره .


شارك الموضوع ليراه أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
إتضل بنا | فهرس المدونة | سياسة الخصوصية
جميع الحقوق محفوضة مدونة حمادة نت
Created by Maskolis Published by Mas Template
powered by Blogger Translated by dz-site