{[['']]}
أصل نشأة الدولة
إن البحث عن أصل نشأة الدولة يعد من الأمور
العسيرة ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي في تطورها
تتفاعل مع الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة .
1- النظريات الغير عقدية.
أ- نظرية القوة و الغلبة.
إن الدولة حسب
نظرية القوة هي نتاج القوة المادية فمصدر السلطة الأولى سواء في العائلة او القبيلة
او المدينة كان التفوق بالقدرة و خاصة الجسدية و المادية . فالجماعات الأولية كانت
تعيش في صراع مستمر مع بعضها ، وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها
فأصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين فوجدت الدولة
، فالحرب حسب نظرية القوة هي التي تلد الدولة ، كما أن وظيفة الدولة الأولى هي الدفاع
عن وجودها . ومن أهم مفكري هذه النظرية ابن خلدون في كتابه المقدمة و Walter bagehot و Jencks و oppenheimer و من أولى نتائج هذه
النظرية التأكيد على سيادة الدولة المطلقة التي لا يحدها أي قانون او معاهدة ، فللدولة
مطلق الحرية في عقد المعاهدات و إلغائها و إعلان الحرب . و يقول فقهاء هذه النظرية
أن الحرب هي التي تدفع بالعقل البشري تحت ضغط الحاجة الى الإبداع . قد تأكد صحة هذه
النظرية في العديد من المرات حيث قامت العديد من الدول على أساس القوة المادية و الانتصار
في الحروب .
ب- نظرية التطور التاريخي.
يرى دعاة هذه
النظرية ان الشكل الأول للاجتماع كان العائلة التي تطورت الى قبيلة فعشيرة فمدينة فإمارة
و أخيرا إمبراطورية . فمع التطور التاريخي اكتشف الإنسان أولا الحاجة الى الاستقرار
الاجتماعي فكانت العائلة ، ثم تبين له أهمية توسيع هذا الكيان الاجتماعي نظرا لما يوفر
ذلك من إمكانيات ، فبالعيش المشترك بين مجموعة من الأفراد يربطهم ولاء تتحقق القدرة
على تأمين الحاجات الأساسية و خاصة مواجهة أعدائهم الخارجيين .
ج- النظرية الماركسية.
يرى ماركس ان ظهور
الدولة او السلطة السياسية بمعناها الواسع ارتبط باكتشاف الانسان للآلة الزراعية البدائية
أي لأدوات الإنتاج ، فقبلها كان الناس يعيشون على ما يلتقطونه من ثمار و أعشاب و ما
يصطادونه فلا وجود للملكية الخاصة ، اما بعد اكتشاف الآلة الزراعية نتج عنه ظهور مفهوم
الغلة التي هي قابلة للتخزين و التملك ، من هنا بدا الصراع بين الأفراد حول ملكية أدوات
الإنتاج و ملكية الغلة الزراعية ، وكانت الغلبة للأقوى ليست فقط بالمعنى المادي بل
وأيضا بالمعنى الفكري . و يمكن ان نقول ان النظرية الماركسية تقترب من نظرية القوة
من حيث ان الدولة هي أداة إكراه و ان استمرارها متوقف على تملكها لقوة عسكرية كافية
للدفاع عن نفسها .
2. النظريات العقدية ( نظرية العقد الاجتماعي
).
تنطلق هذه النظرية على أساس ان الدولة ظاهرة
إرادية قامت نتيجة اتفاق حر و اختياري بين مجموعة من الناس فضلوا الانتقال من حالة
الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني و السياسية مع ما نتج عن ذلك من قيام سلطة سياسية
و تنازل المواطنين عن كل او بعض حقوقهم الطبيعية . و نجد جذور هذه النظرية في الفكر
الكنسي الوسيطي و في الفكر الإسلامي . و هناك ثلاث مفكرين اختلفوا في تقييم العقد الاجتماعي
و هم :
أ- توماس هوبز Thomas
Hobbes 1588-1679 . يرى هوبز ان الإنسان ليس
اجتماعيا بطبعه بل هو أناني محب لنفسه لا يعمل الا بالقدر الذي تتحقق معه مصالحه الشخصية
، و كانت القوة هي السائدة في العلاقات بين الأفراد الا ان الإنسان أدرك وجوب الانتقال
من حالة الفوضى الى حالة الاجتماع المدني ، فتولدت ضرورة التعاقد لدى الجميع على ان
يعيشوا معا تحت رئاسة واحد يتنازلون له عن كافة حقوقهم الطبيعية و يكلون له أمر السهر
على مصالحهم و أرواحهم ، ونجد ان هذا العقد لا يلزم إلا أطرافه و بالتالي فالملك لا
يلتزم بشيء لأنه ليس كرفا في العقد .
ب- جون لوك john
Locke 1632-1704 يقول لوك
أن حياة الفطرة لم تكن فوضى و اضطراب بل كانت حياة سعادة في ظل قانون طبيعي مستوحى
من العقل البشري و الإلهام الالهي ، لكنها مشوبة بمشاكل و اخطار و لذلك شعر الفرد بضرورة
الدخول مع الآخرين في عقد يقم المجتمع لحماية حقوقه ، لذلك كان العقد الاجتماعي بين
الشعب من جانب و الحاكم من جانب اخر و لم يتنازل فيه الأفراد عن كل حقوقهم بل فقط القدر
اللازم لإقامة السلطة ، و بالتالي أصبحت سلطة الحاكم مقيدة و أن الشعب ملزم بواجب الطاعة
تجاه الحاكم طالما انه يعمل في الحدود التي رسمها العقد فاذا جاوزها الى غيرها كان
للشعب حق مقاومته بل و عزله من منصبه .
ج- جان جاك روسو jean
jack Rousseau 1712-1778 لقد غالى
روسو في وصف حالة الإنسان البدائية حيث اعتبرها مليئة بالسعادة و الخير و الحب و الانتقال
الى حالة الاجتماع المدني كان بهدف الارتقاء و تجنب بعض العقبات التي اعترضت وجوده
في سبيل المحافظ على حياته . الحل عند روسو هو في تنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله
التي هي الإرادة العامة ، فالإرادة العامة هي صاحبة السيادة و هي عبارة عن مجموعة الأفراد
و انطلاقا من ذلك يطرح روسو مفهومه للحكم الديمقراطي المباشر القائم على سيادة الشعب
الممثل بالإرادة العامة . و لذلك رفض روسو وجود سلطات تشريعية و تنفيذية مستقلة عن
سلطة الشعب ، فالشعب هو الذي يشرع و الحكومة هي مجرد جهاز تنفيذي ينفذ ارادة الشعب
. و بالتالي فهنا تحدث عملية التعاقد بين الافراد فقط و لكن على اساس ان لديهم صفتين
كأفراد طبيعيين ثم كأعضاء في الجماعة السياسية ، وان الأفراد تنازلوا عن كل حقوقهم
دون تحفظ ، وان الأفراد يكتسبون حقوق جديدة كبديل عما تنازلوا عنه من حقوق .
3- نظريات اخرى عن نشأة الدولة.
أ- نظرية الوحدة ل gelenick
يقول هذا الفقيه بان التقاء
او تطابق إرادتين يمكن ان يحدث نوعان من العلاقات القانونية : العقد و الفيريبارونغ
vereinbarung ، فالعقد
هو توافق إرادات تريد كل منها الحصول على مصالح او أشياء مختلفة ، و لذلك فالدولة لا
يمكن ان تنشأ بواسطة عقد لان الإرادات لا تتجه الى موضوع واحد فضلا على ان العقد ينشا
وضعية قانونية ذاتية و ليست موضوعية كالدولة التي لا تكون الا نتيجة للفيرينبارنغ الذي
يقصد به النتيجة المحصل عليها بفعل مشاركة عدة ارادات مجتمعة من اجل تحقيق هدف واحد
مشترك هو إنشاء الدولة .
ب- نظرية النظام القانوني للفقيه النمساوي kelsen
ينطلق هذا الفقيه من فكرة
ان الدولة هي نظام هرمي مركزي ، كل قاعدة تستمد صحتها من القاعدة الاخرى الى ان تصل
للدستور الذي يستمد هو الآخر صحته من دستور سبقه ، هذا الاخير هو افتراض فقط بأنه موجود
.
ج- نظرية السلطة المؤسسة للفقيه burdeau
يرى بان الدولة لا وجود
لها الا اذا انتقلت السلطة السياسية من الجهة المسيطرة عليها (اشخاص طبيعية) الى كيان
مجرد (شخص معنوي) فتنفصل الدولة عن الحكام و تندمج في التنظيم المجرد الدائم الذي هو
الدولة ، ومن هنا فلا وجود للدولة الا حين تتحول السلطة من فعلية الى قانونية ، وهذا
لا يكون الا بعمل قانوني يغير طبيعة السلطة السياسية و ينشئ الدولة ، هذا العمل هو
الدستور .
د- نظرية المؤسسة لموريس هوريو.
ينطلق
من ان الدولة جهاز اجتماعي مترابط تتشكل من افراد مسيرين من قبل حكومة و تهدف الى تحقيق
نظام اجتماعي و سياسي و ان تشكيلها يتم على مرحلتين ، الأولى تقبل الأفراد لمشروع اقامة
الدولة المعتمد على فكرة مجموعة مثقفة ، اما الثانية تتمثل في دعوة هؤلاء الأفراد للمساهمة
في تحقيق المشروع لإقامة الدولة .
ه- البيعة في الإسلام.
حاول البعض تشبيهها
بالعقد غير انه هناك فرق في ان البيعة أسلوب واقعي لإقامة الدولة او تجديد و تغيير
الحاكم ، والبيعة لا تتم الا على أساس ثنائية الطرفين و يعتبر الرضا ركنا جوهريا لصحتها
، والحاكم في الدولة الإسلامية يشترط فيه صفات خلقية و كذلك كونه بعد المبايعة و توليه
الإمارة لا يتحصل على أي امتياز يجعله أحسن من غيره
:o
ردحذف